إن مهنة التدريس مركبة وُتكتسب بالتعلم؛ وتمارس من خلال وضعيات مركبة تؤهل المدرس إلى التكيف اعتمادا على فهم منطق الاشتغال؛ بحيث لا يمكنه أن يحيط بكل الجوانب؛
ومن ثم فتكوين المدرسين في مجال تحليل الممارسات المهنية يهدف إلى تصور المهنة بوصفها ممارسة تبصرية، ما واستشعار المسؤولية من قبل المدرس في تطوير مهاراته لتحليل الوضعيات المهنية التي تواجهه،
مما يسهم في إعطائه التقدير الذي يستحقه؛ لأنه يتحكم في مهنته، ويقف على التقدم الذي يحققه فيها.
ويبقى تحليل الممارسات المهنية عبارة عن نهج للبناء المهني خلال التكوين الممهنن؛ باعتماد التناوب الذي تتمفصل فيه الجوانب العملية بالنظرية، مما يسهم في تطوره المهني.
يتطلب تحليل الممارسة المهنية من المدرس، سواءً خلال فترة التدريب أو أثناء توليه مسؤولية تدبير العملية التعليمية في المؤسسات التعليمية،
استحضار مجموعة شاملة من الكفايات التي تشمل الجوانب المعرفية والمنهجية والاستراتيجية والقيمية، وتكاملها بشكل فعال. يقوم هذا التحليل على أبعاد متعددة مثل الديداكتيكية، والبيداغوجية، والشخصية، والعلاقية، والمؤسساتية، وغيرها.
ولمقاربة هذا الموضوع، سنتناوله في محورين اثنين، سنخصص المحور الأول لتعريف الممارسات المهنية وبيان أهدافها وأهميتها وأبعادها، والثاني لبسط أهم الأساليب والمعايير وخطوات تحليل الممارسات المهنية،
ومن باب الأمانة العلمية، سنعتمد بشكل أساس على ما جاء في دليل “عدة التناوب المدمج للتكوين الأساس والمستمر لفائدة المدرسات والمدرسين”، الذي أصدرته وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، المملكة المغربية، سنة ،2019 والذي كان ثمرة عمل دؤوب دام أكثر من سنتين ، وشارك فيه عدد من أطر مراكز تكون الأطر بتأطير ومساندة من قبل خبراء من الاتحاد الأوروبي .
أولا: الممارسات المهنية: تعريفها وأهدافها وأبعادها
1.1- تحليل الممارسات المهنية لأجل تكوين مدرس مهني محترف ومتبصر:
شهد التدريس تطورا ساير مختلف التحولات التي يعرفها المجتمع؛ فتحول بذلك من رسالة إلى مهنة ورسالة أيضا. ولما كانت شروط ممارسة المهنة تتطور باستمرار، بات المدرسون يتكيفون معها، ويرفعون تحديات جديدة، تجعل ملامح مهنتهم تتغير بالموازاة مع ظروف الممارسة ووسائل العمل وتضاؤل الموارد في معظم البلدان.
وبصرف النظر عن مشاكل المهنة، أصبحت وظيفة المدرس على درجة عالية من التعقيد؛ إذ يتطلب الأمر تحصيل معارف متعددة، واكتساب مهارات دقيقة، لتيسير مهمة التدريس والنجاح في التواصل مع أولياء المتعلمات والمتعلمين، وكذا مع الزملاء والمحيط لتحقيق النجاح المدرسي.
وقد أصبح على عاتق المدرس في ظل هذه الظروف، أن يكون قاد ًرا على التعامل مع كل جديد، ومستعدا لقبول التغيير ومعالجة المشاكل وتفهم الأوضاع المعيشة المتعددة الأبعاد، فالمفروض في المدرس المحترف القدرة على التعامل مع الأوضاع على تعقيداتها وتحمل مسؤولياته كاملة والتصرف المتبصر بناء على منطق التحليل المهني
1.2- مفهوم تحليل الممارسة المهنية
يقصد بتحليل الممارسة الصفية حسب ألتي (Altet) الكيفية أو النهج المتفرد الذي يتبناه شخص ما للقيام بنشاط التعليم، أي أنها عبارة عن سيرورة تستهدف بناء مهارات المدرس وتطويرها لمساءلة ممارساته المهنية،
وبالتالي، يُعتبر تحليل الممارسات التعليمية موضوعًا للتأمل والتفكير من خلال فهمها وتحليل تفاصيلها. كما يعتبر هدفًا يمكن من خلاله تعديلها وتحسينها.
تدعم “كفاية تحليل وتبصر الممارسة الصفية” المدرس المتدرب أو الممارس في فهم وإعطاء معنى لممارساته الصفية، من خلال اكتساب القدرة على التحكم في الجوانب الأساسية للممارسة المهنية وفهمها، وذلك من خلال الاستفهام والتأمل والتحليل لتغيير التصورات والممارسات وتعديلها، مما يساعد في بناء شخصية مهنية متبصرة.
يتضمن هذا تعلم التفكير بشكل أعمق في الممارسة الواقعية، وهذا ما يؤدي إلى تعزيز فهمنا للممارسة المهنية. ويهدف كل هذا إلى مساعدة المدرس في بناء هويته المهنية وتطوير المهارات التربوية والتعليمية والعلاقية التي تمثل أساس المهنة.
وليس تحليل الممارسات فرصة لتبادل أطراف الحديث فقط، وإنما هو مجموعة للبناء المهني. وهو وعبارة “تحليل الممارسات” متداولة بكثرة في أوساط التكوين المهني،
فقد عرفت رواجا كبيرا خلال العقد الأخير، لأنها تستجيب لطلب اجتماعي قوي في مختلف قطاعات التكوين؛ بحيث وضعت أساليب مختلفة تحت هذا العنوان.
وسواء أكانت مجرد موضة أم مقاربة جديدة ومستدامة للتكوين؛ فإنها توظف في كل السياقات داخل هيئات التكوين على تعددها وتعدد اختصاصاتها، وهي واحدة من تلك المفاهيم غير المستقرة التي يتحدث عنها (Stengers) والتي أمست مبتذلة؛ إذ أصبح هذا المفهوم المتعدد المعاني، يغطي في الواقع تصوارت نظرية وأساليب تنفيذ مختلفة وآليات إجرائية متباينة.