يقوم مشروع القسم على توليف رغبات واختيارات مجموعة القسم، كنوع من التدريب الجماعي على تنفيذ استراتيجيات بلورة المشاريع، لأن النجاح في مشروع شخصي لا يمكن الاحتفاء به إلا وسط الجماعة، وبالتالي تكون جماعة القسم هي الجماعة التدريبية الأولى لممارسة استراتيجيات حل المشكلات، ضمن مخطط المشروع الجماعي، الذي يتخذ منحى يؤازر المشروع الشخصي للمتعلم، لما يتيحه من آليات ودينامية توظفها الجماعة بشكل متميز في فضاء واحد، يعرف أصحابه أن نجاح المشاريع المشتركة وعلى رأسها مشروع القسم،
يتطلب بالضرورة قيادة ديمقراطية، قائمة على التضامن والانسجام والتكامل، مع ما يقترن بها من مشاعر إنسانية كالاتحاد والتضحية والمسؤولية والالتزام، ومهارات تواصلية كتوزيع الأدوار وحسن الإصغاء واحترام الرأي ومنع مسببات التوتر والتشويش، وقدرات تدبيرية قائمة على قبول الاختلافات، والإمساك بزمام الأمور، وتصور صادق لأدوار القيادة، “قيادة ديمقراطية، تساعد على الإبداعية والابتكار، وتحقيق المردودية والإنتاجية، سواء أكان ذلك في غياب المدبر أم في حضوره، وتساهم … في بروز تفاعلات إيجابية بناءة كالتعاون، والتوافق، والاندماج”.
وظائف مشروع القسم
يضطلع مشروع القسم بوظائف عدة، تشتغل لتحقيق رقي المتعلم على المستويين الشخصي والجماعي، تتمثل في:
- الوظيفة الاقتصادية والإنتاجية.
- الوظيفة العلاجية
- الوظيفة الديدكتيكية.
- الوظيفة الاجتماعية والتواصلية.
- الوظيفة السياسية [المتمثلة في] (تكوين المواطن الصالح المدني)”
الركائز الأ ساسية لمشروع القسم
لا يكون الهدف من مشروع القسم تحقيق مكاسب مادية، بقدر ما يهمه العائد المعنوي المحصل على مستوى الشخصية، إذ يروم تعزيز المهارات وتنمية الذكاء العاطفي، الذي لا يمكن تقويمه إلا عند التعاطي مع الجماعة، وهكذا نجده يقوم على أربع ركائز أساسية:
– التأصيل للنجاعة والتدبير التشاركي المتمثل في تجنيد الجهود الشخصية لتنفيذ مهام وتحقيق أهداف تحددها الجماعة.
– تغيير النظرة للحرية، إذ هي مسؤولية توجب الالتزام واحترام التنظيمات.
– التأسيس لفكر استراتيجي قائم على تعزيز العلاقة بين الفرد والجماعة، فترى الجماعة في نجاحها نجاحا للأفراد، وفي فشلها فشلا لهم.
– قبول الاختلاف واعتباره نقطة قوة الجماعة، مما يحفز البحث عن التكاملات بين الفريق، اقتناعا بأن التشابه لا يحدث التغيير والتجديد والتطوير.
إن السعي في إقامة هذه الركائز على مستوى الفصل الدراسي، لا يخلو من صعوبات، إذ لا يتعلق بمدرس قائم بأدواره التوجيهية والتأطيرية على خير وجه، بقدر ما يتعلق بنظرة المتعلمين للعمل الجماعي، فـ”عندما يصبح الأطفال أو المراهقون معنيين بإنجاز مهمة لها معنى في إطار المشروع، فإنهم يعملون بمنطق النجاعة، وما يصبون إليه هو أن يصلوا بأقل جهد وأقل كلفة إلى النتيجة المنتظرة، وهذا له انعكاسات عدة:
إذا عمل المتعلمون جماعيًا على مشروع معين، فقد يتم تكليف مهمات محددة لأولئك الذين يمتلكون المهارات المطلوبة. على سبيل المثال، في مشروع كتابة رسالة، يُكلَّف الشخص الذي يتقن التحرير بتنفيذ هذه المهمة. وعمومًا، يميل كل فرد إلى القيام بالمهام التي يجيدها، ولكن هذا النهج يتعارض مع مبادئ التعلم، التي تفضل تكليف المهام بناءً على احتياجات الفرد في اكتساب المهارات. وقد أشار فيليب ميريو إلى هذا الأمر، حيث أكد أن منطق التعلم يتعارض مع منطق الإنتاج في بعض الحالات.
لتجنب تلك النتائج، يجب على المدرس بناء أسس الفكر الاستراتيجي وتعزيز التعاون وتبادل الخبرات، وتعزيز ثقافة الكفاءة. فالأشخاص الناجحين هم الأكفاء، وهم الذين يُعرفهم رافان بأنهم:
- يستمتعون بما يقومون به.
- يظهرون سعادتهم بوضوح عند تحقيق النجاح ويشعرون بخيبة أمل واضحة في حالة الفشل.
- يسعون جاهدين لمساعدة الآخرين في تحقيق أهدافهم.
- يحددون أهدافهم بوضوح ودقة، ولا يتركونها للصدفة.
- يخططون بعناية لتحقيق أهدافهم.
- يضعون أهدافا دقيقة وواقعية وقابلة للقياس.
- يقيمون تقدمهم ويستفيدون من التغذية الراجعة لتحسين أدائهم.
- يثقون في قدرتهم على مواجهة التحديات والصعوبات.
- يسعون لتجربة قدراتهم في الوضعيات المختلفة.
- يرون المكاسب المالية كنتيجة لجودة عملهم بدلاً من مجرد مكاسب مالية.
- يتحملون الصعوبات والتحديات بصبر لتحقيق النجاح.
- يرفضون القيام بالمهام الروتينية التي لا تساهم في تحقيق الأهداف.
- يتمتعون بالإبداع والتفكير الخلاق.
- يعملون بجدية مع الأشخاص المؤهلين ويحترمون مساهمتهم.
وهكذا، يسمح مسعى مشروع القسم “بخلق الوعي لدى كل واحد بحدود تناسقه، ويلزمه بالتنقل لكي يصبح التناسق الجماعي ممكنا… فكل واحد مطالب ببذل مجهود لفهم منطق الآخر، مما يجبره على الوعي بتعقد طرق إدراج التناسق داخل الممارسة… والحال أن البداهات تتهاوى عندما يواجه [الفرد] تناسقه بتناسق الآخرين. وهنا ينبثق عمل شاق لبناء تناسق مشترك يعتبر ضروريا لكي يكون للعمل الجماعي نتائج إيجابية…ففي كل مشروع مشترك، يقترن الاكتشاف الجماعي باكتشاف تأملي للفاعلين.
وهنا تتناسل الأسئلة: كيف يمكنني تحليل الوضعية؟ ما هو الجواب أو ما هو الحل الذي يمكن أن أقدمه، وكيف يمكنني أن أكون مفيدا للآخرين؟ وإلى أي حد سيتم الاعتراف بفائدته؟ وهل يتعين علي أن أثق فيما تقترحه علي معرفتي أو معرفة الآخر؟ حسب الدينامية القائمة، فإن هذه الأسئلة يمكنها إما أن تؤدي إلى مواجهة ثرية بين الآراء، وإما إلى إثارة “ألعاب الصمت”[شون/ Schon] أو إلى تصعيد تنتج عنه القطيعة على مستوى الحوار، مادام كل واحد يعتمد على تمثلاته وقيمه الشخصية”.
دور الستاذ في توجيه مشروع القسم
يوحد المشروع أهداف مجموعة القسم، ويسمح بتوزيع الأدوار وتحديد الإلزامات، ومراقبتها بشكل تشاركي بين الشركاء المتواجدين في فضائه، كل من مكانه ومكانته، وهكذا يتحدد مكان الأستاذ بأنه عنصر من مجموعة عناصر، وتتحدد مكانته بوصفه موجها ومديرا وقائدا ممارسا لجميع أدواره الإيجابية، التي تحمل معاني “التناسق الداخلي بين القيم والأفعال، وهو ما ينعكس [بشكل إيجابي] على اختيار عدة وصيغ التعليم والتعلم. وعند تمكن التلاميذ في هذه الحالة من إدراك مسارهم التكويني بوصفه مجموعة متناسقة، فإن باستطاعتهم ربط مختلف الأهداف فيما بينها، والعمل على إدماج مختلف المعارف والكفايات داخل سياق تعلمي أوسع”.
يؤدي الأستاذ دورا أساسيا في توجيه مشروع القسم نحو النجاح، من خلال:
- تشجيع التلاميذ على اختيار الأعمال المهمة التي ينبغي القيام بها.
- تشجيع التلاميذ على التعرف على عواطفهم.
- تشجيع التلاميذ على تحديد أهداف مثيرة، لكنها واقعية، مع ملاحظة تقدمهم.
- تشجيع التلاميذ على التفكير حول أنفسهم، والتساؤل حول نوعية شخصيتهم، ولأجل ذلك، ينبغي تزويدهم بالمصطلحات والمفاهيم الضرورية لهذا التفكير.
- تقديم نماذج من [السلوكات البناءة] للتلاميذ، حتى يتعرفوا على أساليب ممارسات الأفراد.
- إعطاء الفرصة للتلاميذ لممارسة [وتقليد] هذه السلوكات.
- تشجيع التلاميذ على دعم الآخرين لبلوغ أهدافهم.
- تشجيع التلاميذ على ملاحظة المهمة التي سيقومون بها والتعرف على العوائق التي ينبغي تجاوزها.
- تشجيع التلاميذ على استغلال وجهات نظرهم”
يساعد الأستاذ المتعلمين على ضبط خطوات الفعل، وتنظيم التفكير في المشكل الذي يطرح للتداول الجماعي، إذ عليهم أن يمروا من الفهم إلى التفكير في الفعل ليصلوا إلى الفعل والأجرأة، عبر خطوات نثبتها في الجدول الآتي: