تعريف المشروع الشخصي للمتعلم
يتيح المشروع الشخصي للمتعلم، إمكانات تجريب موارده، وقياس قدرتها على التماهي مع اختياراته، التي تجري في مجال تؤطره التوجهات التربوية ومتطلبات التشغيل، لذلك، فإننا نجد مبررات للقرارات المتخذة بخصوصه على مستويات عالية؛
إذ أصبح “سيرورة تربوية تبتدئ منذ المستوى الخامس من التعليم الابتدائي وتستمر مدى الحياة، وتهدف إلى مواكبة المتعلمين و المتعلمات في بناء وتوطيد وتدقيق مشاريعهم الشخصية ذات الصلة بالدراسة والتكوين أو الاندماج المهني، وكذا مساعدتهم في تحديد اختياراتهم المتعلقة بذلك” ،عبر مخطط ينفذ إجرائيا في أربع مراحل نوضحها من خلال اللحمة المفهومية التالية:
يبدو الوعي بالعلاقة بين التعلم والمشروع الشخصي أو المهني، أمرا يتجاوز إدراك المتعلم، الذي غالبا ما يطرح السؤال “على المستوى الشخصي (ما الذي سأجنيه من التعلم بشكل خاص؟) وعلى المستوى المهني (ما الذي سيقدمه لي التعلم بالمدرسة، بخصوص توجيهي نحو مهنة وبخصوص الدراسات المواكبة لهذا التوجيه؟).
كما أن الانخراط في المشروع و إنجازه معناه وضع جواب فوري وملائم بالنسبة لمستقبل قريب بهذا القدر أو ذاك من جهة، والتوفر على وسائل العمل المفيدة لتحقيق هذا الهدف، من جهة أخرى؛
فعبر تشكل المشروع تتجسد الرغبات داخل الموضوعات والسلوكات والخطوات و تمثلات الذات، التي تستوجب استباق تطوره وذلك بحسب العوامل المختلفة المؤثرة في إنجازه.
وبالتالي فإن المشروع يجد مصدره في المعطيات التالية :
- بداخل واقع ماض، يشكل التصورات التي يبنيها الفرد بخصوص تاريخه ومحيطه.
- في تحليل الفرد لحاضره وإدراكه لمحيطه الاجتماعي والأسري والاقتصادي ومعرفته لأنساققيم المجموعة التي ينتمي إليها.
- ضمن الشعور باستمراريته وبقائه، وهو ما يحيل على فكرة بناء هوياتي ( ConstructionIdentitaire) ييسره إنجاز المشروع”.
مقتضيات مواكبة المشاريع الشخصية للمتعلمين
تقوم مواكبة المشروع الشخصي للمتعلم على ثلاث دعائم:
مواكبة تربوية
تشمل مرحلة البناء والتوطيد دعم المتعلمين في تكاملهم في بيئة التعلم، وضمان نجاحهم في مساراتهم الدراسية. تهدف إلى تزويدهم بالمعارف والمهارات اللازمة لبناء مساراتهم الشخصية واتخاذ القرارات التعليمية والمهنية المستقبلية.
مواكبة تخصصية
تغطي مراحل البناء والتوطيد والتدقيق، وتشمل كلا من خدمة الإعلام المدرسي والمهني والجامعي، وخدمة الاستشارة، والتوجيه المدرسي، والمهني، والجامعي.
مواكبة نفسية واجتماعية
وتقوم على رصد المتعلمين الذين قد يعانون من مشاكل نفسية واجتماعية، أو يظهرون سلوكات غير تربوية من شأنها أن تعيق تمدرسهم العادي وتحد من فرص نجاحهم الدراسي،
ومن ثم تقلص فرص مواصلة مساراتهم الدراسية بنجاح ومن تحقيق مشاريعهم الشخصية، ويعمد في هذا الإطار إلى تكييف خدمات وممارسات وآليات التوجيه المدرسي والمهني والجامعي حسب خصوصيات المتعلمين في وضعية إعاقة.
وبالنظر إلى ملفهم الشخصي، يوضع إطار مرجعي لتحديد معايير وصيغ التكيف الممكنة حسب كل نوع من أنواع الإعاقة، كما توضع أطر مرجعية لتحديد ضوابط تقديم هذه الخدمات ومعايير جودتها مع تدبيرها اعتمادا على النظام المعلوماتي للوزارة وتيسير الاستفادة منها،
يعتمد بهذا الخصوص على خدمة الإعلام المدرسي والمهني والجامعي الذي يضع المعلومات الضرورية حول المسارات … رهن إشارة المتعلمين مع الحرص على إكساب المتعلمين كفاية الاستعلام الذاتي عوض الاعتماد على التلقي السلبي للمعلومات.
أهداف المشروع الشخصي للمتعلم
تمتد أهداف المشروع الشخصي للمتعلم، لتشمل تنميته الذاتية والمجتمعية، من منطلق كونهما أرضية لتعزيز المواطنة الصالحة، لذلك نجده يهدف إلى ما يلي:
- تمكين المتعلمين من إدماج معارف ومهارات ومواقف مختلفة أثناء العملية التعليمية.
- اكتسابهم للفكر النقدي وتحفيزهم على التعلم الذاتي ومواجهة وضعيات جديدة خارج أسوار المؤسسة التعليمية التعلمية.
- ترسيخ التربية على الاختيار لدى المتعلمين واتخاذ القرارات المناسبة لميولاتهم وحاجاتهم.
- نشر ثقافة المبادرة والإبداع والابتكار والانفتاح على شتى أصناف موارد المعرفة في ظل الثورة المعلوماتية […] التي يشهدها عصر العولمة.
- تعويدهم على تحمل المسؤولية الذاتية والاستقلالية في بناء مشاريعهم المستقبلية.
- تحسيس المتعلم بالموارد ومتطلبات الوسط، وذلك ليتمكن من تحسين نوعية حياته.
- تنمية مهارات تمكن المتعلم من تدبير أمره في جميع مستويات الأنشطة وكافة المهن.
ضوابط المشروع الشخصي للمتعلم
من البدهي أن نسلم أن المشروع الشخصي، لا يكون مفيدا بالنسبة لجميع المتعلمين، مهما تساوت طرق تكوينهم وتدريبهم، ذلك لأنهم لا يؤمنون بجدواه في غالب الأحيان؛ لهذا السبب ينبغي أن يترافق إرساؤه بمجموعة من الضوابط منها:
- تحسيس الآباء بأهمية إقامة الاختيار على قدرات وميول الأبناء، وليس على تقليد غيرهم أو الانسياق وراء تحقيق أمان سابقة لهم فشلوا في تحقيقها خلال مراحل دراستهم.
- جعل فضاء المؤسسة فضاء مشجعا على بروز المواهب المختلفة، وتوعية المتعلمين بالانعكاسات السيئة لسوء اختيار المشروع على مستقبلهم الدراسي والمهني.
- بناء الاختيار على المهارات والقدرات، ومساعدة المتعلمين لتبين سبل الاستفادة منها لتتناسب ومتطلبات المهن المرغوبة، عبر خطط توجيهية متينة.
- إقدار المتعلم على بناء المشروع (وهو تخطيط للمستقبل) سواء لمتابعة التكوين الدراسي، أو لولوج إحدى التكوينات المهنية والتقنية، أو عند الانخراط في مشروع مهني؛ يحتاج [فيه إلى] مساعدة وإرشاد المدرسين، ورعاية أسرية حتى يوجه التوجيه السليم
- تزويده بآليات الرصد والتتبع واتخاذ القرار عن طريق التفكير في:
- [وضعيته] وقت التفكير في المشروع.
- ما يريد أن يكون عليه في المستقبل القريب.
- الإمكانات المتاحة في مختلف البيئات التربوية أو المهنية المتواجدة في محيطه.
- [الجرأة لاتخاذ] قرارات [وتحديد أهداف] انطلاقا من معرفة كافية بمختلف الطرق المتاحة لبلوغها.
- وضعه في منطق مشروع قابل للإنماء والتصحيح المستمرين”.
- وضع خطة تقويمية تكون موضوع تعاقد بين كافة أطراف الفعل التعليمي التعلمي.
- تفعيل مسألة الروابط بين التحفيز الدراسي والتوقعات المستقبلية.
- جعل المشروع الشخصي في قلب المناهج والبرامج الدراسية.
- اعتماد التوجيه كآلية تعويضية تجبر الضرر وتقدم البدائل لأن مسار المشروع الشخصي ليسمسارا هادئا.
- قيام مستشاري التوجيه بكامل مسؤولياتهم كطرف رئيسي إلى جانب المتعلمين[ومساعدتهم] في إنجاح مشاريعهم الشخصية … والقيام بالتقويم الذاتي، وتهيؤهم للانخراط في المشروع الشخصي وتصحيح التمثلات النمطية والمغلوطة التي يكونها بعض المتعلمين حول ذواتهم وواقع سوق الشغل.
خطوات إنجاز المشروع الشخصي للمتعلم
يبنى المشروع الشخصي أو المهني بالتنسيق بين مجموعة من الأفعال، توافق التخطيط الاستراتيجي الذي يقصد للمدى البعيد، وهي: “الاكتشاف والبلورة والتخصيص والإنجاز”:
الاكتشاف: يؤدي في أبعاده المختلفة والمتعددة إلى فحص الممكنات دون إكراهات أو رقابة ذاتية.
البلورة: وتتمثل في اختيار طريق للحل، يترك المكان لإمكانات عديدة. لذلك، فإنه من الضروري القيام بتوضيح الوضعية وترتيب المعطيات حتى تظهر الرهانات الرئيسة التي سيتخذ القرار حولها.
التخصيص: هو الاتجاه الذي يهتم في نفس الآن، بما نريد وما نقدر عليه وبالقيم التي تم ترسيخها والواقعية التي تم فرضها.
الإنجاز: وهو الانتقال من مستوى المقاصد إلى مستوى الفعل”.
دور الستاذ في توجيه المتعلم لاختيار مشروعه الشخصي
يسهم الاختلاف في وجهات النظر بين المتعلمين في إعطاء فكرة عن تصورهم للصعوبة الموضوعة أمامهم، ويفتح للأستاذ طريقا لمساعدتهم في تنظيم مهارات التفكير للارتقاء بها شيئا فشيئا إلى درجاتها العليا،
كما يسمح له بجعل التهديف عملية واعية، بوصفه سياقا ذا مفعول ارتجاعي يعنى من خلاله المتعلم “بدرجة نجاحه في تعلماته، وبحصيلة مساهماته الإيجابية والسلبية، فيحدد تبعا لذلك أهدافا جديدة ووسائل كفيلة بتحقيقها”.
ويقوم المدرس بمصاحبة عمليات الاكتشاف والبلورة والتخصيص والإنجاز عن طريق:
– الوصاية ( Le tutorat )[وتتم بواسطة…] التتبع البيداغوجي المفردن، بتجميع وتحليل معلومات تهم استعدادات وذوق وقدرات كل تلميذ، لتقوده إلى إعداد مشروع دراسي.
–العريفية (Le monitorat) يتعلق الأمر هنا بالمساعدة التعاضدية بين التلاميذ من مستويات متماثلة ومختلفة حسب الحالات. وهكذا، يعمل العريف نيابة عن المدرس، ويعيد إنتاج نفس العلاقات التي يؤسسها هذا الأخير مع تلامذته […]، غير أن المدرس لا يعفى من مراقبة يقظة لأعمال المتعلمين في هذا الإطار، حتى ولو كان المتفوقون يساعدون المتأخرين.
–الدعم (Le soutien) نوع من المساعدة تقوم على سد الثغرات وإعادة النظر في المعلومات الأساسية وفق مسار تدريجي أكثر تنوعا، وبتمارين مفردنة. ويتم تنفيذ الدعم في مجموعات صغرى أو بأفراد، الأمر الذي يسمح بتأسيس علاقة مباشرة بين المدرس والتلاميذ.
–الإرشاد المنهجي: [وهو] نوع من المواكبة لأنشطة التلميذ التعلمية التي تنزع إلى مساعدته على اكتشاف طرائق العمل الأكثر نجاعة والوعي بالخطوات التلقائية لإتقانها.
ويتم وفق طرق مختلفة: فهناك الحوار البيداغوجي الذي يستهدف مساعدة التلميذ في الوعي بالكيفية التي يستخدم بها المعلومات [الملتقطة بالحواس] السمعية والبصرية لمعالجتها وتخزينها. وهناك التدخل بالشرح الذي يمكن التلميذ من استحضار فعله ووصفه لغويا. وهناك الإرشاد البيداغوجي الذي من خلاله يقود المدرس تلميذه إلى أن يتساءل عن المهمة المطلوب منه القيام بها، في المشكل المطروح عليه والحل الذي سينجز عمله في إطاره.
-المساعدة على العمل الشخصي: إنها مساعدة قريبة من السابقة، لكنها موجهة أكثر نحو التمرن النوعي، متأسسة على فكرة مفادها أنه لا يكفي حث التلميذ على العمل، بل يجب أن تقترح عليه مسارات لتحسين هذا العمل” ،وتوجيهه في سياقات ملائمة تفضي نهاياتها إلى تحقيق الرضى عن مآل التعلمات، وعن الدور الذي لعبته المدرسة في تحويل التصورات عن المستقبل، إلى واقع مشهود.