مقدمة
تطورت علوم التدبير في سياق الثورة الصناعية وما أعقبها من جهود حثيثة وممتدة في تنظيم الأعمال وهيكلة الشركات والمقاولات وترشيد الموارد والرفع من المردودية واستدامة وتيرة الإنتاج وقيمة الجودة، في خضم التنافس حول الأسواق، ودعم الاستهلاك والترويج له.
لكن المفاهيم عادة تهاجر من مجال إلى مجال آخر، وتنتقل من حقل معرفي إلى حقل آخر، لاسيما عندما تكتسب سمعة ما في التطبيق وكفاءة إجرائية معينة في التنفيذ.
فقد أصبح مفهوم التدبير مأل لتأطير جهود تنمية الأنظمة التربوية، وإصلاح أعطاب البرامج والمناهج التعليمية.وللتدبير في هذا السياق أبعاد متعددة، تتداخل فيها التدابير الاستراتيجية والسياسات العامة والاختيارات الكبرى التي تستمد أهميتها من سياسة الدول وبرامج الحكومات، والتدابير القطاعية، والبرامج الخاصة، لتمتد في الأخير إلى مجريات الحياة المدرسية، والفصول الدراسية، والمشاريع الخاصة، ومنها مشاريع المتعلمين في بناء تعلماتهم.
إن الوسط المدرسي مجتمع مصغر حافل بالحركية والدينامية، وكل ما يجري في هذا الوسط يحتاج إلى كثير من أعمال التدبير تجنبا للفوضى وهدر الموارد، ومنها الإنسان نفسه، لأن كلفة الفوضى باهظة.
لكل ذلك، فإن الأمن التعليمي بالنسبة لسياسة الدول مثله مثل الأمن الغذائي والعسكري، لا يفوت، ولا يترك للصدف، بل تتم رعايته وتخطيطه وتدبيره بكل ما يستحق من حرص وما يتطلبه من موارد.
ويصعب في هذا السياق استقصاء مختلف علوم التدبير المدرسي، لأن الأمر سيتطلب منا الإشارة إلى عن السوسيولوجيا وعلم النفس والتاريخ والأنتروبولوجيا والاقتصاد والإحصاء وعلم الأعصاب والدماغ، فضلا عن علوم التربية التقليدية.
كل هذه العلوم وغيرها تم استلهامها في تطوير الحياة المدرسية والتدبير الإداري والتربوي والمالي لشؤونها.
لكننا مع ذلك سنشير إلى الضروري من النظريات التي أسهمت بوضوح في تطوير الفكر التدبيري للعمل الإداري بالمؤسسات التعليمية، من خلال استلهام مبادئها وتعميم نماذجها.
كما سنشير في هذا الإطار إلى أهم المقاربات التي تم تجريبها وتبنيها في مجموعة من الأنظمة التربوية لكفاءتها ومردوديتها، بحيث يمكن أن تشكل حافزا لفرق العمل بالمؤسسات التعليمية من أجل التعاون لخلق السياق الملائم لسيرورة التحسين المستمر للجودة، لاسيما جودة بناء التعلمات.
أبرز النظريات المستلهمة في التدبير الإداري التربوي
يعتبر الوسط المدرسي مجالا لمختلف التفاعلات الإنسانية بين مجموعة من المتدخلين مما يفرض تنظيم هذا المجال وفق تصورات وخلفيات نظرية يصعب حصرها، ومن أبرزها :
نظرية التنظيم أو النظرية الطايلورية، نسبة إلى فريدريك طايلور 1856-1915 (Frederick Winslow،Taylor)
تقوم على أساس الدراسة العلمية للعمل من خلال تقسيمه، فيما عرف بنظام العمل المتسلسل. وشكلت هذه النظرية أول لبنة في الإفادة من العلم لأجل تطوير العمل والرفع من المردودية. من مبادئها:
- اختيار العاملين والإشراف على تدريبهم على أساس علمي.
- التعاون بين الإدارة والعمال بدل الصراع.
- تقسيم وتنظيم العمل أفقيا وعموديا: المدير يخطط ويقود، والعامل يتفاعل وينفذ الأوامر
نظرية الإدارة، عند هنري فايول 1925-1841 (Henri Fayol)
الإدارة وظيفة تبدأ باكتساب المهارات اللازمة بالتعلم قبل الانتقال إلى مجال الممارسة. وتم استلهامها في التدبير الحديث من خلال مجموعة من المبادئ الواضحة:
(مبدأ تقسيم العمل، مبدأ السلطة، مبدأ الانضباط (الإيجابي)، مبدأ وحدة الأوامر، مبدأ التوجيه، مبدأ تبعية المصلحة الخاصة للمصلحة العامة، مبدأ الترقية والتحفيز، مبدأ المركزية بحيث يظل المدير هو رأس التنظيم، التراتبية من أعلى إلى أسفل، الترتيب، الإنصاف، استقرار العاملين، المبادرة، إرساء روح الفريق)
نظرية البيروقراطية، عند ماكس فيبر 1864-1920 (Max Weber)
بغض النظر عن الحمولة السلبية التي التصقت بهذا المفهوم في سياق الفكر الماركسي والعمل النقابي المناهض للإدارة فإن له جذورا في تنظيم الأعمال الإدارية وتدبيرها،
بحيث انطلق فيبر في هذا السياق من مفهوم السلطة ومشروعيتها، إذ يتحدث عما يسميه السلطة المؤسساتية التي تميزها المبادئ الآتية: تقسيم العمل، البناء الهرمي للتنظيم، التعاقد مع العاملين بناء على كفايات محددة، الطابع اللاشخصي للعلاقات، الانضباط لقواعد النظام، والتحفيز
نظرية إشراك العاملين في اتخاذ القرار، عند ماري باركر فوليت 1933 -1868 ،(Mary Parker Follet)
كانت من أوائل من أشار إلى فكرة التكامل في ضمان دينامية العمل ضمن الإدارة والتنظيمات. وقد أعادت تنظيم مفهوم القوة، وقسمتها إلى نوعين: “قوة مع” و”قوة على” مرجحة النوع الأول لتدبير التنظيم، ولا يمكن تفويضها لأنها ترتبط بإنجاز العمل، وذالك خلافا للسلطة التي يمكن تفويضها.
السلطة خادمة للقوة الفاعلة، والعاملون قادرون على التطور و حل الصراعات وتحقيق الجودة إذا تم إشراكهم في اتخاذ القرار. بل إنهم يمكنأن يصبحوا قادة للتنظيم.
نظرية تحليل المعاملات والألعاب السيكولوجية،
من خلال فهم أبعاد مثلث كاربمان الدرامي: le triangle dramatique de karpman وذلك بتدريب المعنيين بالأمر على عدم الانزلاق إلى المثلث، حتى لا يؤثر ذلك على مصداقيتهم المهنية.
فالبقاء خارج المثلث يتيح لهم إيجاد الحلول المناسبة وتدبير مختلف الوضعيات التي تفرضها الممارسة المهنية، أما دخول المثلث فسيفضي بهم إلى لعب أدوار تؤدي إلى المزيد من تأزيم الممارسة وتغذية الصراعات.
نظرية التنظيم الموسعة، عند لوثر هالسي غوليك 1992-1892 (Luther Halsey Gulick)
حيث اشتغل بالخصوص على تطوير نظرية فايول السابقة
نظرية العلاقات الإنسانية، أو نظرية الإدارة الديموقراطية، مع إيلطون مايو، وكل من دايكسون وروثلزبرغر
وتطورت هذه النظرية باستمرار في جو السجال السياسي، وفي سياق الانتصار للعلاقات العادلة بين الناس، ومن أبرز الذين جددوا الانتصار لها في مجال التربية المفكر الأمريكي نعوم شومسكي في كتابه: “من أجل تربية إنسانية”
كارل فيك ،Karl Weickونظرية/نموذج Sensemak
باعتباره السيرورة التي يعطي الأفراد عبرها معنى لتجاربهم. يتعلق الأمر بمنظور يقترح العمل على فهم مجريات الأنشطة التي يقوم بها الأفراد في قلب المجموعة من خلال البناء الجماعي للمعنى أو على العكس من ذلك تقويض هذا المعنى. ويصلح هذا النموذج لقيادة التغيير في عمل المجموعات وفرق العمل.
نقد نظرية العلاقات الإنسانية، مع دانييل بيل، وجيمس هوبز ورينهارد بنذكس وغيرهم: “من شأن الانغماس المفرط للقائد أو الرئيس مع مرؤوسيه أن يؤثر في مواقفه، مما يؤثر في المردودية ودينامية الإنتاج” .
نظرية الإشباع التدريجي للحاجات، عند أبراهام هارولد ماسلو Abraham Harold Maslow) 1970-1908)
وبالتالي، فالمدبر التربوي على مستوى المؤسسة التعليمية ينبغي أن يكون واعيا بطبيعة الحاجات التي ينبغي تلبيتها حسب الوسط المهني الفعلي، علما أن الأمر يتعلق أيضا بحاجات متدرجة لفاعلين حقيقين.
النظرية الموقفية:
اتخاذالقرار في التنظيمات يتم بحسب كل موقف، ولا معنى للتقيد بأية قوانين مثالية بعيدة عن الواقع، (تنظر أعمال طوم بورنز Tom Burns وجورج سطالكر George Stalke)
نظرية/مفهوم الإدارة الإلكترونية:
وهو مفهوم يعد ثمرة للثورة الرقمية التي اجتاحت العالم، ولم يعدمن الممكن أن يتجاهلها التدبير الإداري الحديث. ويرصد طبيعة الخدمات التي تقدمها الإدارات لمرتفقيها الواقعيين والافتراضيين،
يتعلق الأمر باختصار حسب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية: بـــ”استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ولا سيما الأنترنت من أجل تحسين إدارة المرافق العامة”.
نظرية القرارات الإدارية :
ويمكن أن نحدد فيها مجموعة من المدارس والتيارات،انطلاقا من التطور التاريخي للفكر الإداري والممارسات التدبيرية، وبالنظر إلى الممارسات المهنية والرهانات والانتظارات والأزمات
نظرية الحكامة : التي تطورت في سياق تجاوز الأزمات وإرساء أنظمة الشفافية، وتطوير المردودية،والإنتاج، والجودة
نموذج توكمان لتطوير وإدارة فريق العمل le modèle de tuckman :
وهو نموذج يرصد أربع محطات أساسية في حياة أي فريق عمل. وينبغي للفريق أن يواصل طريقه لبلورة مشروعه وعدم الفشل، لأن ظهور التوتر والصراعات شيء طبيعي في المرحلة الأولى مثلا .
يمكنك أيضا قرائة هذا المقال حول التدبير الإداري الحديث