1.3- الأسس النظرية لنهج تحليل الممارسات المهنية

يرتبط هذا النهج بتطوير المسلك التبصري؛ إذ يتعلق الأمر بتعلم التفكير فيما نقوم به في وضعية واقعية لأجل فهم الممارسة المهنية، بحيث ُتتوج عملية تحليل الممارسات بتعلم المهنة.

الهدف من هذا هو مساعدة في بناء الهوية المهنية، وبالتالي تحسين المهارات التربوية والتعليمية والعلاقية التي تشكل أساس المهنة. لذا، فإن تحليل الممارسات ليس مجرد مناسبة لتبادل الأفكار، بل هو فرصة للتعلم والتطور المهني.

وكما هو معلوم، فإنه لا يوجد شكل واحد لتحليل الممارسات، بل أنواع متعددة من تحليل الممارسات وآليات مختلفة، مما يثير العديد من الأسئلة، والسبب في ذلك استخدام هذا النهج على أنحاء مختلفة، وبناء عليه، فإن تحليل الممارسات المهنية يستمد أساسه العلمي من العديد من المقاربات المرجعية.

1.3.1- المقاربة النفسية – الاجتماعية

تشكل المقاربة النفسية-الاجتماعية مرجعا إبستيمولوجيا ونظريا لتحليل الممارسات المهنية، حيث نسرد في هذا الصدد، أعمال العالم التي بينت تأثير المجموعة على المعايير والتحديات وأنشطة الفرد المهنية.

يمكن تنفيذ تحليل الممارسة في سياق فردي، أي التحليل الذاتي، أو بالتعاون مع مصاحب محترف أو مدرس ذو خبرة، سواء داخل إطار فردي أو ضمن مجموعة. مثلاً، مقاربة GEASE التي طورها E. Fumat، M. Lamy، T. Perez-Roux، تعتبر إحدى الأدوات المرجعية النفسية والاجتماعية التي تساعد على تدريب التحليل للوضعيات التعليمية.

1.3.2-المقاربة السريرية

تركز هذه المقاربة المجموعاتية على وصف الحقل العلائقي، وتشريح الدينامية الحاصلة بين الأفراد في واقع الممارسة باعتبار الأبعاد الذواتية من مشاعر المدرس وأحاسيسه ومعاناته (CM. Cifali ،Blanchard-Laville)؛ بحيث تستحضر علاقة تفاعل الذوات في سياق سيشكل مصدرا لبناء أداة تفكير مهنية.

وتبقى المعارف السريرية المستنبطة من وضعية مهنية على اتصال مستمر بالمعارف العملية؛ فأغلب المعارف السريرية تسعى عاجلا أم آجلا إلى تحسين التدخل التربوي، شأنها في ذلك شأن المعارف التدخلية؛ حيث يمر الولوج إلى المعنى عبر الدينامية الذواتية من خلال تداخل العلاقات بين المكون والمتدرب.

1.3.3-المقاربة الوظيفية التبصرية

يقوم المدرس بتحديد الوظائف العلاقية والبيداغوجية والديداكتيكية التي توجه ممارسة التعليم-التعلم، سواء بشكل فردي أو بالتعاون مع مصاحب أو مع الأقران في مجموعة تحليل الممارسات المهنية. يتم تطبيق هذه الوظائف خلال حصة تعليمية معينة، مع مراعاة عوامل التبصر،

لتحديد علاقاتها وتفاعلاتها بهدف فهم طريقة عملها وتحليل الممارسة بشكل شامل. يتم التساؤل والنقاش بين المدرس والمصاحب أو ضمن المجموعة لفهم ما يحدث بشكل أفضل من خلال :

  • المشاركة في بناء فرضيات متعددة الأبعاد ومنهجية للقراءة والتحليل، تربط بين العوامل الفاعلة؛
  • إعطاء فرصة ثانية للمدرس بغية فهم طريقة اشتغاله ومدى إتقان ممارسته؛
  • فهذا النوع من التكوين الذي يستدعي التساؤل والتحليل والتبصر، يشكل رافعة لتغييرالتصورات والممارسات ويعزز بناء الأحكام المهنية؛
  • وتبقى استعمالات هذا النهج متعددة، كممارسة للتكوين تساعد على تحليل حصة يتمتقديمها مع جماعة الفصل أو مع جماعة الأقران بحضور الأستاذ المكون، ويسمح هذا النهج لمتدرب متطوع بتقديم قراءة؛
  • شخصية لتجربته المعيشة قصد توضيح اختياراته والتعبير عن تصوره لعملية التعليم -التعلم، وذلك على الشكل الذي تمت وفقه والتعبير عن مشاعره وشكوكه وتساؤلاته.

وفي مقابل ذلك، يقوم باقي المتدربين الحاضرين بطرح الأسئلة للتعبير عن وجهات نظرهم والقيام بمقارنات مع وضعيات مماثلة، إضافة إلى توضيح المحددات الضابطة لاستيعاب وفهم ما حدث في تلك الوضعية التي تم تحليلها قصد إعادة ترتيب معناها.

تحليل الممارسة ليس مجرد حوار أو مناقشة بسيطة حول النهج التعليمي أو مقارنة بسيطة بين وجهات النظر. بل هو استفسار جماعي حقيقي حول معنى العمل التعليمي، من خلال عملية تحليل تسهم في تعزيز الفهم والتفاهم

1.4- أهداف تحليل الممارسات المهنية

  • جعل المتدربين في صلب التكوين؛
  • إشراكهم من خلال تحليل ممارساتهم؛
  • جعلهم يدركون أنشطتهم ومساعدتهم على فهم الصعوبات التي تتم مواجهتها وتلك التي تواجهالمتعلمين؛
  • تكوينهم على حل مشاكلهم وعلى تطوير مواقفهم وممارساتهم التبصرية؛ بهدف التجديد والابتكار؛جعل المدرسين يكتشفون بأن مهنة التعليم مهنة إنسانية مركبة مكونة من وضعيات نوعية تمكنهم من التكيف عن طريق فهم ممارستهم

1.5- تحليل الممارسات المهنية نهج وإمكانية لتمفصل عناصرالنموذج: عملي-نظري- عملي

تهدف جميع آليات تحليل الممارسات المهنية إلى تمفصل أزمنة التكوين النظرية والعملية حول الممارسات الفعلية المنجزة على أرض الواقع من قبل المتدربين؛

إذ يقومون بعد التدريب بعرض ممارساتهم الصفية وتحليلها مع الأقران، بحيث تنطلق معظم الحصص بدراسة حالة أو ممارسة صفية تم إنجازها وعرضها على المجموعة من قبل أحد المتدربين، أو على شكل دراسة حالة مكتوبة وموزعة على باقي الأعضاء، أو على شكل قصة سردية، أو ممارسة يتم تسجيلها في شريط فيديو أو على جهاز لوحي، أو حتى على الهاتف المحمول ليتم عرضها، أو في شكل تسجيل صوتي يتم الاستماع إليه.

ويتم عرض وتحليل الممارسة من طرف الشخص الذي عاشها؛ لتأخذ مجموع المتدربين بعد ذلك الكلمة من أجل طرح الأسئلة وتوضيح ما تم عرضه وطرح فرضيات لتفسير هذه الممارسة ومقارنتها بممارسات صفية مشابهة، مع تحليل الوضعية من خلال ربط مختلف العوامل المعنية من أجل فهم معنى الإجراء المتخذ.

ولا يتدخل المشرف على التكوين إلا بطلب من المجموعة، ليمدهم بأدوات مفهومية للتحليل والمراجع النظرية الإضافية لمساعدتهم على فهم العمليات التي تم تحليلها وتحديد الإشكالات واقتراح وجهات نظر متعددة؛ بحيث تتشكل تدخلاته من اقتراح شبكات لقراءة الوضعيات المهنية المعيشة والمراجع والأفكار المدعومة بالحجج وباقتراح آفاق لتعميق الفهم.

ويقوم المكون بتكييف إسهاماته واستراتيجياته بحسب طلبات المجموعة من أجل فهم الأبعاد المكونة لعمل المدرس؛ بحيث يجب على هذا الأخير تدبير جل هذه الأبعاد، لأن المدرس المبتدئ يجد صعوبات حقيقية في هذا الإطار.

ويمكن تحليل الممارسات المدرس المبتد ئ من تحديد هذه الأبعاد المتعددة وإدراك تفاعلاتها، لأن فك رموز هذه الظواهر يساعد على فهم ما يجري داخل القسم.وترتبط شبكات قراءة الوضعيات المهنية موضوع التحليل، بمجال الأبحاث في علوم التربية،

لأن تحليل الممارسات يمكن المدرس من قراءة ممارسته الشخصية بتوظيف هذه الأدوات؛ فعلى سبيل المثال، يمكن أن يتعلق الأمر بأداة تهم التوجيهات التي يقدمها المكون إلى المتدرب أو المدرس إلى التلميذ،

إذ تمكن هذه الأداة من فهم العلاقات بين الأفراد والاختيارات البيداغوجية والتواصلية. ويمكن لمتخصص في علم النفس-التربوي أن يوظف هذه الأداة بموازاة مع أداة أخرى يقدمها مختص في الديداكتيك حول العقد الديدكتيكي،

ويمكن كذلك للمتدربين أن يفهموا الاشتغال الديدكتيكي والتواصلي لتأكيد أن ما هو بيداغوجي لا يعمل من دون الشق الديدكتيكي ومن دون التفاعل بين ذوات المتدخلين في الفعل التربوي.

وتبقى أدوات الاستدلال مفاهيم تستخدم من قبل المتخصصين في الأدوات التعليمية وتحث المتدرب على التفكير، بحيث يكون لهذا الأخير نظرة أخرى بخصوص ممارسته، وأن يتمكن من طرح إشكالات وتقديم إجابات حول الوضعية. وهكذا فإن تحليل الممارسات يساعد المتدرب على تغيير ممارساته اعتمادا على تغيير تمثلاته حولها.

ويهدف تحليل الممارسات إلى فهم ما يقوم به المتدرب، بحيث يتمكن من التعبير بوضوح عن ممارسته لأجل إعادة بنائها اعتمادا على المفاهيم النظرية المؤطرة لهذه الممارسة قصد تطوير مهاراته.

لذلك يصبح كل من المكون بالمركز أو الأستاذ المستقبل ملزما بتوظيف هذه المفاهيم النظرية بشكل يومي أثناء الاشتغال مع المتدربين.

في الواقع، غالبا ما يكون تحليل الممارسات سهل الاستخدام في التكوين المستمر، لأن ممارسات المدرسين متعددة. ومع ذلك، يقوم المبتدئون بتنفيذ ممارسة معينة وقد يكون من المثير للاهتمام بالنسبة لهم أن يقوموا بتحليلها،

إذ يقدم المتدربون أمثلة على ممارساتهم ، بشكل ملموس. ويمكن التسجيل الصوتي أيضا من استعادة وضعية ما، كما يبقى من الممكن أيضا عرض قصة مكتوبة أو شفهية لوضعية معينة، لتمكين المجموعة بعد ذلك من العمل والتفكير في هذه الوضعية، في حين، يطرح المكون الأسئلة ويساعد على فهم ما حدث خلال التسلسل الذي عرضه المتدرب.

وتتنوع الطرق المستخدمة في تحليل الممارسات بين طرح الأسئلة والمناقشات عبر الموائد المستديرة الجماعية، أو في العمل الثنائي أو في مجموعات صغيرة؛

في حين تبقى الطريقة المهيمنة هي إعطاء الكلمة للمتدربين من أجل التعبير وطرح الأسئلة واقتراح فرضيات لقراءة الوضعيات والممارسات المهنية الملاحظة.

1.6- مبادئ تنفيذ تحليل الممارسات المهنية

أنقر على الرابط اسفله لمتابعة القراءة

1 2
شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version