1- أسس التدبير التوقعي للموارد البشرية
عرف مفهوم التدبير التوقعي للموارد البشرية تحولات كبرى منذ نشأته يمكن تلخيصها في أربع مراحل: مرحلة العقلنة والتدبير التوقعي للأعداد (سنوات الستينيات):
سميت هذه المرحلة في بدايتها بمرحلة التدبير العملي من طرف فور بوص ولوكارف (Faure , Boss et le ) Garffسنة . 1967حيث تستند نماذج التدبير التوقعي على إحصائيات عديدة وحسابية، وتهم تدبير أعداد الموارد البشرية على المدى الطويل.
❖ مرحلة العلاقات الإنسانية والتدبيرالتوقعي للمسارات المهنية (1970/1975):
ينصب الاهتمام على تدبير الأفراد ومساراتهم المهنية (Carrières) وهي بحث قبلي لملائمة الأفراد في العمل مع الوظائف المستمدة لهم ، ومن وسائلها تعريف الوظيفة وتوقع تطور الأداء (Potentiel) وقد عرفت هذه المرحلة تراجعا كبيرا لهذا المفهوم إثر الصدمة البترولية الأولى الناتجة عن حرب 1973 بين الدول العربية وإسرائيل.
❖ مرحلة المنظمة المواطنة والتدبير التوقعي للوظائف (1980):
عاد الاهتمام بالتدبير التوقعي للموارد البشرية بعد أزمة 1973 لكنه عرف تغييرا جذريا إذ أن هذا التدبير أصبح لايهم فقط مرحلة الازدهار، بل أصبح يأخذ بعين الاعتبار وبجدية بالغة مرحلة الأزمات التي تستدعي التخلي عن أعداد كبرى من الموارد البشرية في بعض الأحيان.
❖ مرحلة المنظمة المتأقلمة وتدبير الكفاءات (1990):
عرفت هذه المرحلة اهتماما أكبر بالمقاربة القيمية (Qualitative) والفردية، (Individuelle) ويكمن التغيير الأكبر في التأكيد على تدبير المتغير في الأنشطة والمهام والوظائف ، ومن هذا المنظور تسعى المنظمات إلى التأقلم مع واقع متغير باستمرار حيث تطور إمكانيات التشغيل (Employabilité) لدى مواردها البشرية وذلك على مستويين:
- داخليا: بتطوير تعدد المهام والحركية الوظيفية ومقاومة مغادرة الوظيفة؛
- خارجيا: بمصاحبة الموظف / المتعاون في التمكن من كفايات أساسية وذات قيمة مضافة في سوق الشغل؛
2- التدبير التوقعي للوظائف والكفاءات:
يهدف التدبير التوقعي للوظائف والكفاءات إلى تقليص الفوارق بصفة مبكرة بين حاجيات المؤسسة ومواردها البشرية الفعلية سواء على المستوى العددي ) (Effectifsأو المستوى القيمي (Compétences) وينخرط هذا التدبير في المخطط الاستراتيجي للمؤسسة .
ويتضمن التدبير التوقعي بعدين: بعد جماعي يهدف إلى جعل المورد البشري متغيرا استراتيجيا والتحكم في تطويره على المدى المتوسط ، وبعد فردي يرمي إلى جعل الموظف فاعلا ومبادرا في مشروع تطوير وظيفته ومساره المهني .
ومن أبرز المفاهيم في مجال التدبير التوقعي للمهن والكفاءات نجد:
- الاندماج الاستراتيجي: حيث تعتبر جزءا من الإستراتيجية العامة للمنظمة ومن أولويات الإدارة العامةوكبار مسؤولي المؤسسة؛
- السبق: (Anticipation) حيث تتيح توقيع المتغيرات الممكنة وتعد لها لجعل المؤسسة متجددة وقادرة على التأقلم مع مختلف الظروف؛
- الوظيفة الأمثل:(Emploi – Type) حيث تقوم بدراسات ميدانية تمكنها من توصيف مختلف العمليات المرتبطة بوظيفة ما؛
- التوجيه المهني المتواصل: وهي تحاول توقع حاجيات المؤسسة، تقوم بدمج انتظارات الموظفين وإمكانات تطويرهم؛
- الكفاية: إدارة كفايات الموارد البشرية تشمل الحصول عليها، وتطويرها، وإدارتها بشكل شامل
- امكانية التشغيل: (Employabilité) بما أن المؤسسة لم تعد تستطيع ضمان شغل قار بصفة قطعية نظرا لمتغيرات السوق ، فإنها تجعل من الموظف قابلا لإعادة التشغيل داخليا وخارجيا عبر تطوير إمكانياته؛
ومن بين الوسائل المستعملة في ميدان التدبير التوقعي للوظائف والكفايات نجد:
- الجرد الشامل لمختلف الوظائف المرتبطة بالمؤسسة ويكون منتظما حسب ميدان وخصوصيات كل مؤسسة؛
- تحليل الموارد البشرية الحالية للمؤسسة من خلال المعلومات والمعطيات المحينة: سن، أقدمية،جنس، تأهيل مهني، دبلوم، تعيين، وظيفة، مسؤولية، مشروع …؛
- توقع تطور المسار المهني للموارد البشرية الحالية داخل المؤسسة؛
- توقع تطور الحاجيات من الموارد البشرية مستقبلا؛
- تحليل الوظائف الحالية بالمؤسسة من خلال مجموعة من المعايير؛
- خريطة الوظائف والمسؤوليات بالمؤسسة؛
- المراجع الخاصة بالكفاءات المرتبطة بالوظائف المتاحة داخل المؤسسة؛
تدبير الكفاءات:
ظهر مفهوم ” تدبير الكفاءات ” في مرحلة عرفت حسب بارليي (Parlier) عدة تطورات سواء من جهة الأفراد أو من جهة المؤسسات وهي :
- تزايد متطلبات سوق الشغل من الكفاءة والفعالية في وقت وجيز؛
- اهتمام أكبر بكفاءات غير تقنية: المبادرة، الاستقلالية، التأقلم …؛
- تطور الكفاءات وفق المتغيرات التقنية والمؤسساتية؛
- الانخراط التام والسعي إلى تحصين المؤسسة والرفع من إنتاجيتها؛
ولتعريف مفهوم الكفاية في مجال تدبير الموارد البشرية، نسرد ثلاث مرجعيات كبرى:
- يعرفها لوبوطيرف (Le Boterf) كما يلي: ” هي كيفية استخدام ودمج مجموعة من الموارد، وهذه الأخيرةنوعان: موارد شخصية، معارف نظرية، خبرات مهنية، ملكات اجتماعية من جهة، وموارد خارجية غير مرتبطة بالفرد: بنيات تحتية، وسائل عمل، وثائق، معلومات شبكات العلاقات من جهة أخرى … فالكفاءة هي إمكانية اختيار ودمج واستعمال معارف متعددة ومختلفة لتحقيق أهداف معينة وانجاز مجموعة من المعلومات.”
- ويعرفها زاريفيان(Zarifian) كما يلي: ” هي مجموعة من التصرفات الاجتماعية المندمجة تماما فيالكفايات المهنية وتترجم اختيارات تنظيمية جديدة، هذه التصرفات ” لا يمكن اكتسابها وتعلمها وتطويرها إلا من خلال الوضعيات المهنية التي تتطلبها.”
- ويعرفها لوميديف(Le Medef) كما يلي : ” هي دمج للمعارف والمهارات والتجارب والتصرفاتواستعمالها في سياق محدد ، يمكن ملاحظتها أثناء استعمالها في وضعية مهنية يمكن من خلالها المصادقة عليها ، ومن أدوار المؤسسة اكتشافها وتقييمها والمصادقة عليها وتطويرها”
3- تدبير التغير في مجال الموارد البشرية
يعتبر إعمال التغيير داخل المؤسسة من أبرز مهام ووظائف مدبري الموارد البشرية، ومن مظاهر التغيير نجد الانتقال من مؤسسة محلية أو جهوية أوطنية الى مؤسسة دولية ، التطور الرقمي والتكنلوجي ، تغيير تنظيم العمل داخل المؤسسة ومن أهم المبادئ والأفكار المتداولة في هذا الموضوع نجد ما يلي:
▪ مفهوم “مقاومة التغيير: ” من الأخطاء الشائعة أن إعمال التغيير من المهام المنوطة بالمسؤول فقط ولهذا فلتفادي سوء الفهم أو المقاومة فيجب التأكد أن التغيير المنشود يصب في صالح الجميع مما يضمن الانخراط الجماعي والايجابي فيه؛
▪ مفهوم “بدء من صفر” : إن أي تغيير تحاول البدء من صفر وتحقيق تغيير جدري داخل المؤسسةهو مشروع يحمل دواعي الفشل في طياته ولذا فان التغيير العقلاني يجمع بين ما هو موجود وما هو مأمول ؛
▪ أنواع التغيير: دون الخوض في تفاصيل نظريات التواصل التي تحدثت عن مفهوم وأنواع التغيير وخصوصا مدرسة بالو ألتو (Palo Alto) لمؤسسيها فاتسلافيك وباستون وآخرون(zatzlaurick , Bateson et Al) ، فمن منظور تدبير الموارد البشرية نحتفظ بثلاثة أفكار لها أهميتها الخاصة وهي كالتالي:
- التواصل والإعلان المبالغ فيه حول التغيير المزمع تحقيقه لا يخلق سوى التوجس والشك لدىمختلف المتعاونين بالمؤسسة؛
- المبالغة في خلق وسائل رسمية للتواصل الداخلي يمكن أن يقلص التواصل الحقيقي داخل المؤسسةويساهم في تعزيز البيروقراطية؛
- التغييرات الرئيسية تحدث بفعل قوى خارجية قوية وضرورية، وتكون ملزمة للجميع.
أ-مكونات التغير
حسب بيتيكرو ،(A.Pettigrew) 1987فان قيادة التغيير تنبني على العمل على ثلاثة مظاهر: السياق والمحتوى والصيرورة .
السياق: وهو يتضمن العوامل الخارجية (محيط اقتصادي، تكنلوجي، مؤسساتي) والداخلية ( بنية حالية ، علاقات ، سلطة ، ثقافة ، … ) .
المحتوى: وهو ما يحمله التغيير: تطوير وظيفة، إقرار مهام جديدة ، تنظيم جديد للعمل.
الصيرورة: وهي مجموع التفاعلات التي ستحدث عند محاولة إرساء التغيير
ب- رهانات التغيير:
إن تصرفات الأفراد المعنيين بالتغيير داخل المؤسسة مرتبطة بتصورهم وإدراكهم لرهانات هذا التغيير وتأثيره المحتمل على وضعيتهم المهنية الحالية والمستقبلية
ويعرض الجدول التالي اهم العناصر والمكونات لتحليل رهانات التغيير.
ج- صيرورة التغيير.
إذابة الجليد:
تتعدد النظريات في هذا الشأن لكننا سنعرض لاثنين نعتبرهما مهمتين في موضوع تدبير التغيير في الموارد البشرية، الأولى للمنظر ليوين ، (K. Lewin) 1951 فبالنسبة له لابد من استغلال انسداد الأفق الحاصل في الوضعية المهنية الحالية والمشاكل المتراكمة وعدم الرضا لتهيئ التغيير وضمان تقبله من طرف المعنيين به ، والثانية للباحث أرجيريس (C. Argyris) 1990 الذي يركز على تحليل ما يسميه ” الروتين الدفاعي ” الذي ينبغي مقاربته بشكل جزئي وبطيء ومتصاعد مع البدء بقيمة الهرم في المؤسسة.
استراتيجيات التغيير و أنماط القيادة:
بالنظر إلى مجموع الأبحاث والأعمال المنجزة في هذا الشأن ( تاتبوم ، ليكيرت ، فييدلير ، بلاك ، موتون،… ) (Tannenbaun , Lickert , Fiedler Blacke Monton) يمكن أن نميز أربعة أنماط للقيادة يمكن تطبيقها على استراتيجيات التغيير:
الاستراتيجية السلطوية: تتمثل في إعداد المشروع بتفاصيله الدقيقة من طرف مسؤولي المؤسسة والعمل على إنزاله مع تواصل ضعيف حوله، وهو ما يضمن السرعة في التنزيل، لكن من نتائجه الانخراط السلبي أو المقاومة الشديدة حسب قوة الجهة المعارضة في المؤسسة.
إستراتيجية الاقناع: تعد الإدارة مشروعا متكاملا ثم تتواصل حوله بشكل مكثف محالة ضمان استمالة وانخراط جميع الفاعلين. لكن التساؤل يبقى حول الإدماج الفعلي للتغيير على المدى البعيد.إستراتيجية التفاوض: يتم جمع جميع الفاعلين للتفاوض بشأن التغيير والبحث عن توافق، هذه الصيرورة قد تكون طويلة وشاقة لكنها تضمن انخراط الجميع في حال إنجاحها.
الإستراتيجية التشاركية: يتم تبادل المعلومات حول التغيير بشكل موسع وطلب اقتراحات الجميع، وهي صيرورة طويلة لكنها جد فعالة لأنها تضمن الانخراط الجدي والفعلي على المدى البعيد