مقدمة
في مجال التربية و التعليم، تعدّ المقاربات التدبيرية من الأساسيات الحيوية لتحسين الأداء التربوي وتحقيق الأهداف التعليمية بكفاءة. تتنوّع هذه المقاربات في طرق التخطيط والتنظيم والتوجيه، وتتميّز كل منها بخصائصها الفريدة التي تجعلها ملائمة لسياقات تعليمية محددة.
في هذا المقال، سنستكشف أهم المقاربات التدبيرية في النظام التربوي ونحلّل خصائص كل منها، بهدف فهم أعمق لكيفية تطبيقها وتأثيرها على تطوير العملية التعليمية وتحسين جودتها.
أهم المقاربات التدبيرية
مقاربة التدبير بالمشروع:
لا بد من التمييز بين تدبير المشروع و التدبير بالمشروع؛ فإذا كان تدبير المشروع تقنية تسمح بالتحكم في الأنشطة المبرمجة، فإن مقاربة التدبير بالمشروع هي من اختصاص المدبرين، ليس باعتبارهم منفذين، ولكن باعتبارهم قيادة تربوية، سواء كانت مركزية، أو جهوية، أو إقليمية، أو محلية.
تدبير المشروع Gestion de Projet
فن توجيه الموارد البشرية والمادية وتنظيمها خلال فترة إجراء المشروع، بالاستعانة بالتكنولوجيات الحديثة، لتحقيق الأهداف المحددة، بالطريقة التي تمكن من إنجاز المشروع، وذلك بتنفيذ مضمون ما جاء فيه، ومراعاة عوامل الجودة، والتوقيت والكلفة.
التدبير بالمشروع Gestion par Projet
مقاربة يتم من خلالها تفويض إنجاز عمل معين لهيئة أو إدارة بصلاحيات كاملة في الإعداد والتنفيذ وبالإمكانيات اللازمة لتنفيذ المشروع، أي أن عمل المؤسسة يتم وفق مشروع بحيث يدخل تدبير المؤسسة نفسه ضمن مشروع.
هذا الوضع سيعني تعديلا جوهريا على وضعية المؤسسة التعليمية، من حيث الهيكلة، والمهام، والصلاحيات، والإمكانيات.
ومن الضروري أن ترتكز مقاربة التدبير بالمشروع على مجموعة من المبادئ، تعطي الأهمية والمسؤولية الفعلية للممارسين والفاعلين في الميدان والمسؤولين المحليين.
فالمشاريع في المؤسسات التعليمية على الخصوص ينبغي أن يكون لها وقع مباشر على المجتمع المدرسي، وفي مقدمة ذلك تحسين شروط التعليم والتعلم، وتحقيق الجودة. ولا يمكن أن يتمرس بصياغة مشاريع من هذا القبيل إلا الممارسون العاملون في الميدان، بشرط أن يحدوهم الحماس والتعبئة.
لمقاربة التدبير بالمشروع عدة إيجابيات، ترتبط بالتغيير والتطوير، منها:
- تبني مقاربة حديثة لتدبير الشأن العام؛
- تبني مقاربة ترتكز على الاعتراف بالخصوصية المحلية والوظيفية؛
- تبني مقاربة جديدة للا تركيز الإداري وللتنظيم الذاتي؛
- تبني مقاربة لتجاوز البيروقراطية؛
- تبني هيكلة تسمح بتجاوز التراتبية الإدارية التقليدية، من خلال التحرر من المراقبة القبلية والمسبقة التي تفرضها المصالح الإدارية، ذلك أن المشروع يختزل مجموعة من العمليات، وعليه فالترخيص أو الموافقة على المشروع هي موافقة مسبقة على كل الأنشطة والعمليات التي يتضمنها وهو ما يخفف من الإجراءات المسطرية الثقيلة.
التدبير بالأهداف Gestion/Management Par Objectifs :
وهي مقاربة تعطي الأهمية والأولوية للأهداف، فيتم تقسيمها إلى أهداف عامة، وأهداف خاصة أو إجرائية، قابلة للتطبيق والتنفيذ. كما يتم الاهتمام في هذا السياق بالتتبع اللازم من أجل التحقق من بلوغها. ويشترط في الأهداف ما يأتي:
- الدقة والوضوح.
- القابلية للتحقق.
- القابلية للقياس.
- التكامل والانسجام بين الأهداف إذا تعددت.
- تلبية وإشباع حاجيات المجتمع المدرسي.
- الشمولية والانسجام، بحيث تكون محل اتفاق من قبل كافة المتدخلين.
- التوزيع الأمثل للمهام والمسؤوليات بين مختلف المتدخلين
التدبير المتمحور حول النتائج Gestion/Management axée sur les résultats
- مقاربة للتدبير تهدف إلى بلوغ النتائج وتحسين الشفافية وتحميل المسؤولية بواسطة تقديم الحساب على المردودية. منهجية توجه جهود الشركاء نحو بلوغ تغييرات قابلة للوصف والقياس.
- وسيلة لتحسين الجودة والمردودية، وتقوم فيها مسؤولية التدبير على إشراك الفاعلين المعنيين في تحديد النتائج المرتقبة، وتقويم الإكراهات والمعيقات، وتتبع التقدم الحاصل في تحقيق النتائج واستخلاص الدروس والعبر من القرارات المتخذة والتقارير حول المردودية.
- استراتيجية أو مقاربة في التدبير، تحرس من خلالها أية منظمة (مؤسسة) على تعبئة وسائلهاومواردها ومنتوجاتها من أجل تحقيق نتائج واضحة.
ويتعلق الأمر في النظام التربوي المغربي بمقاربة تم تجريبها وتبنيها وتنظيم عدد كبير من الدورات التكوينية لتدريب الفاعلين في القطاع على حسن تطبيقها.
كما تم إصدار ما ترتبط بذلك من دلائل ومطبوعات وتدابير إجرائية في تكييف الاستفادة منها، في مختلف مستويات تدبير المنظومة.ومما لا شك فيه أن لكل مقاربة من هذه المقاربات خصائصها المتميزة وطابعها الخاص، وهو ما نشير إليه في الجدول الآتي :
التدبير بالمشروع | التدبير بالأهداف | التدبير بالنتائج | |
العنصر الأساس | المشروع بكافة عناصره | العنصر الأساس هو الهدف | العنصر الأساس هو النتيجة |
مكونات المقاربة | النظرة الشمولية لرسالة المؤسسة، التشخيص، الأهداف، برمجة الأعمال، توزيع المهام، التنفيذ، التقويم، التتبع | الأهداف العامة. – الأهداف الإجرائية، – القابلية للتنفيذ؛ – كيفية التحقق من بلوغها | – النتيجة الاستراتيجية. – النتائج الوسيطة. – المؤشرات |
العلاقة بين المكونات | الأهداف والعمليات متكاملة ومتناسقة ومنسجمة فيما بينها | يتفق العاملون بالمؤسسة على أهداف مشتركة يسعون جميعا لتحقيقها، دون أن تكون مفروضة. لا توجد فروق بين الأهداف من حيث مستوى أهميتها أو شموليتها. ترابط وتكامل بين الأهداف. | تشكل النتيجة الاستراتيجية العنصر الجامع الذي يوحد بين جميع النتائج الوسيطة. توجد فروق بين النتيجة الاستراتيجية والنتائج الوسيطة من حيث الأهمية والشمولية توجد علاقة سببية بين النتائج الوسيطة والنتيجة الاستراتيجية |
شكل المخطط | يتر َجم المشروع إلى خطط عمل، تشتمل على الأهداف والعمليات، ورزنامة الإنجاز،وتوزيع المسؤوليات، والمهام | يأخذ المخطط شكل جدول يتضمن الأهداف والعمليات وتواريخ الإنجاز والمسؤولين عن التنفيذ | يأخذ المخطط شكل شجرة للنتائج، ترتبط النتيجة الاستراتيجية بالنتائج الوسيطة والمؤشرات المطابقة لها |
المواصفات الأساس | من مواصفات المشروع الجيد: – التركيز على التعلم؛ – الاستجابة لحاجات المؤسسة؛ – الاشتمال على خطة ذاتعناصر متكاملة؛ – مشاركة مختلف الفاعلين فيهبقيادة رئيس المؤسسة | من مواصفات الأهداف الجيدة: – الوضوح والدقة؛ – القابلية للقياس؛ – القابلية للإنجاز؛ – المعقولية؛ – الاستجابة للحاجات؛ – تحديد مدة الإنجاز؛ – الاتفاق بين العاملين | من مواصفات النتائج الجيدة: – التمييز بين النتائجالوسيطة والنتيجةالاستراتيجية؛ – القابلية للتحقيق؛ – القابلية للقياسبواسطة مؤشرات إنجازمحددة؛ – وضوح علاقة النتائج الوسيطة بالنتيجةالاستراتيجية |
من حيث الغاية والطابع العام | – تشكل الطرائق الثلاث مقاربات تعتمد التدبير المعقلن والهادف والموجه. – تتوخى الطرائق الثلاث الفعالية والنجاعة في استعمال الموارد. – تختلف الطرائق الثلاث عن المقاربة التقليدية التي تنبني على تطبيقالتعليمات والمساطر الإدارية بشكل حرفي |
من حيث المستلزمات | رغم اختلاف نقطة الانطلاق فإن الطرائق الثلاث تستلزم العناصر الآتية: ▪ تشخيص وضعية المؤسسة؛ ▪ تشكيل فريق العمل وتفعيله؛ ▪ القيادة الفعالة؛ ▪ البناء على أساس الحاجات والموارد المتاحة؛ ▪ التخطيط والتنظيم والتنفيذ والتتبع؛ ▪ استعمال مؤشرات للإنجاز في التقويم والتتبع |
من حيث الخصائص الضرورية | – الطرائق الثلاث في أشكالها المتطورة تتطلب الدقة في: ▪ صياغة العناصر الرئيسة (مكونات المشروع، الأهداف، النتائج) ▪ وضع المؤشرات والتأكد من وضوحها وقابليتها للقياس؛ ▪ توضيح العلاقة بين المكونات المختلفة (بين الأهداف والأعمال، أوبين النتيجة الاستراتيجية والنتائج الوسيطة والمؤشرات. |
في هذا المقال، ندرك أهمية المقاربات التدبيرية في تطوير النظام التربوي وتعزيز جودة التعليم. فقد قدمنا نظرة شاملة على عدد من هذه المقاربات وخصائصها المميزة، مما يساعد في فهم أعمق لطرق تطبيقها وفوائدها في سياق التعليم.
من خلال استثمار هذه المقاربات بشكل فعّال، يمكننا تحسين تجربة التعلم للطلاب وتعزيز أداء المؤسسات التعليمية بشكل عام.
إنّ الاستمرار في استكشاف وتطوير هذه المقاربات يعتبر مفتاحًا للنجاح المستمر في مجال التربية و التعليم، ولتحقيق أهدافنا في بناء مجتمعات مستدامة ومثقفة.