مقدمة
المهتمين بمجال التربية والتعليم من باحثين وممارسين في الميدان وصناع قرار ما فتئوا يتعاونون من أجل نقل التجارب الناجحة والخبرات النيرة التي أثبتت كفاءتها في مجالات أخرى،
لاسيما في إدارة الأعمال والتنظيمات وتدبير المقاولات وبلورة المشاريع وقيادتها في مختلف الظروف بما فيها ظروف الصراع والأزمات إلى مجال التربية والتعليم.
وشيئا فشيئا أصبح مفهوم التدبير من المفاهيم الأساسية في هدا المجال ,ومفتاح لتأطير جهود مختلف المتدخلين فيه وفهم أدوارهم ومستويات تعاونهم وصولا إلى تحقيق أهداف التربية ورهاناته.
ومن أجل مزيد من توضيح طبيعة توطين مفهوم التدبير في مجال التربية ننتقل للحديث باختصار وتركيز عن بعض مظاهر هذا التوطين، لا سيما في سياق إصلاح منظومة التربية والتكوين ببلادنا،
سنشير إلى أبرز مقاربات التدبير الحديث التي تم اعتمادها وتبنيها وتجريب العمل بها، بشكل مؤسساتي ومندمج، مستهلين حديثنا بتحديد مفهوم “التدبير” نفسه ووظائفه،
وذلك من أجل التحفيز والتأكيد على أهمية إخضاعه للتأمل وإعادة النظر باستمرار، في سياق عالم سريع التحول.
مفهوم التدبير : Management
يعد مفهوم التدبير، أحد المفاهيم المحورية في علوم المنظمات والإدارة والتسيير، ورغم انتشار هذا المفهوم وتداوله على نطاق واسع في الأدبيات الاقتصادية والسياسية والإدارية، فإن معناه ما يزال محاطا ببعض الغموض، نتيجة الخلط الشائع بينه وبين بعض المفاهيم التي تشاركه في المعنى مثل التسيير والإدارة، والحكامة، والقيادة، والسياسة.
فمن حيث المعنى اللغوي: ” دَبر الأمر وَتدبره: نظر في عاقبته، واستدبره: رأى في عاقبته ما لم يره في صدره والتدبير في الأمر: أن تنظر إلى ما تؤول إليه عاقبته، والتًدَبُر: التفكر فيه”(“دبر/”اللسان)”.
وهكذا يكون هذا المعنى دالا على ما يلزم في التواصل بين الناس ومزاولة الأعمال من الاستعدادات والاحتياطات،
فيقال: اتخذ فلان التدابير اللازمة، إذا اتخذ الإجراءات والترتيبات والاحتياطات الضرورية لمواجهة وضعية أو موقف بفعالية، أو لإنجاز عمل على الوجه المطلوب. ومن معاني التدبير أيضا التفكر والتعقل، كما يفهم ذلك من قوله تعالى “أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها” سورة محمد – الآية 24.
قال الطبري في تفسيره لهذه الآية: “أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله … ويتفكرون في حججه التي بينها لهم … أم أقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون” .فالتدبر إذن، هو إمعان النظر قصد الفهم والإدراك، لذلك تستعمل كلمة التدبير بمعنى “التفكير العقلي في أمر قبل الإقبال عليه تحسبا لعواقبه.
تقابل كلمة التدبير العربية كلمتا “أبداد “abdadو”أسفرك “asfrk” الأمازيغيتان، وتعنيان الوقوف على أمر ومتابعته حتى يتحقق المقصود منه.
يرى البعض من منظري علم اقتصاد المقاولة أن مصطلح Management ينحدر من اللغة الإيطالية حيث تعني كلمة maneggiare المهارة في استخدام الأيادي، كما أن كلمة manus في اللاتينية تعني اليد.
لكن البعض الآخر يرى أن المصطلح يجد أصوله في فعل ménager الذي كان يعني خلال القرن السادس عشر إدارة الممتلكات بروية وبرجاحة عقل. وفي المعاجم الإنجليزية والفرنسية،
تقابل كلمة التدبير كلمتا Gestion و Management و كلمة Management من الفعل الفرنسي القديم Ménager الذي يعني القبض بزمام الفرس، والتحكم فيه وتوجيهه الوجهة التي يريدها الفارس.
أما كلمة Gestion فهي من الفعل Gérer الذي يفيد معاني الإدارة والقيادة، واختيار أفضل الطرق لمواجهة مشكلة أو وضعية، وهو ما يحيل إلى معاني التنبؤ والتنظيم، والتنسيق، والقيادة، والمراقبة.
وعلى العموم، فالتدبير بهذه المعاني؛ قديم قدم الإنسان الذي كان دائما يقوم بتدبير أموره بالشكل الذي يسمح له بالصمود أمام التحديات التي تواجهه في حياته اليومية والتكيف معها.
كان التدبير يتم بطريقة عفوية، قبل أن يصبح موضوعا للنظر والتأمل العقلي مع تطور الفكر البشري الذي جعل من تدبير شؤون الأسرة والمنزل، ثم تدبير شؤون المدينة أحد مواضيعه الرئيسية.
وفي سياق دينامية هذا المفهوم، فقد أصبح مرتبطا ب “توجيه الطاقة البشرية التي تحتويها أية هيئة أو منظمة أو مؤسسة لبلوغ الهدف الذي قامت من أجله، من خلال الاستخدام الفعال للموارد المادية والبشرية المتاحة للوصول إلى أهداف معينة بأحسن كفاءة ممكنة، وعن طريق قيادة وتوجيه الأفراد نحو الهدف المحدد”.
لم يتحول التدبير إلى علم قائم بذاته إلا في القرن التاسع عشر مع تطور النظام الرأسمالي، ونشوء المقاولات الصناعية والتجارية، وظهور الحاجة إلى التنظيم العقلاني للعمل والإنتاج، وإلى إيجاد أسس ومبادئ علمية تمكن المقاولة الرأسمالية من تحقيق أعلى مردودية ممكنة، ومواجهة المقاولات المنافسة لها بأقصى حظوظ النجاح الممكنة.
وهكذا، صار التدبير يعني مجموعة من تقنيات التنظيم والتنسيق والتسيير والمراقبة، الرامية إلى التوظيف الأمثل للموارد المادية والبشرية التي تتوفر عليها المقاولة أو المنظمة، من أجل تحقيق الأهداف المرسومة لها.
بهذا الصدد يرى F.M. BAYER أن التدبير ليس مرادفا لكلمات الإدارة والتسيير والتأطير، وإنما هو جهاز متكامل خاص بإدارة المقاولات وتأطيرها، استوردته فرنسا من الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية؛
وأن التدبير بمعناه المتداول اليوم، هو جهاز معقد يتكون من شبكة من المنهجيات والتقنيات الهادفة إلى تحسين أداء المقاولة والرفع من مردوديتها وفعاليتها.
ويستعمل مفهوم التدبير حاليا بمعنيين حسب السياق :
المعنى الأول: يكون فيه التدبير رديفا للتسيير العلمي للمؤسسات بتوظيف إمكانياتها المادية والمالية و البشرية، بغية الوصول إلى مجموعة أهداف محددة سلفا.
المعنى الثاني: يقصد به طريقة قيادة الأفراد والمجموعات داخل سياق تنظيمي محدد بغية تعبئتها وتوحيد عملها، من أجل تحقيق غايات مشتركة.
وظائف التدبير
:يمكن تلخيص وظائف التدبير وفق الجدول الآتي :
الوظيفة | التعريف | عناصرالمضمون |
القيادة | -الأسلوب الذي يستخدمه القائد التربوي، ويختاره من بين الأساليب المختلفة، حين يوجه جماعة ما نحو هدف مشترك، وهو أيضا السلوك الذي يتبعه القائد لكسب تعاون أفراد جماعته وإقناعهم، من خلال التأثير فيهم، ليكونوا هم أنفسهم قادة معتمدين على قدراتهم وخبراتهم ومهاراتهم في التصرف، لتحقيق أهداف المؤسسة، باعتبارها أهدافهم. | -تضمن سيرا حسنا للمؤسسة؛ – يحتل فيها تنشيط الموارد البشرية مكانة خاصة؛ – نجاحها رهين بمدى ملاءمة شخصية القائد، ومدى إلمامه بإدارة المنظمات؛ |
التخطيط | إعداد قبلي لاتخاذ القرار بخصوص موضوع أو مشكلة معينة لتحديد ما سيتم إنجازه حتى لا يكون التدبير عشوائي ويختلف الإعداد في صعوبته وأهميته حسب الموضوع أو المشكلة. | – استشراف المستقبل بواسطة التقنيات العلمية والإحصائية وصياغة برامج عمل ملائمة؛ – بقدر ما يستوجب التخطيط مقاربة علمية صارمة، يعتمد كذلك على روح الابتكار والإبداع؛ – المقاربة التشاركية شرط مهم لنجاح التخطيط؛ |
التنظيم | تحديد كيفية إنجاز العمل واستعمال الموارد وتوزيع المهام لتنفيذ القرارات المتخذة بكيفية فعالة. | بناء العناصر المادية والاجتماعية الضرورية لاشتغال المؤسسة كجسم واحد؛ – تحديد وظيفة ومسؤولية كل واحد من هذه الأعضاء؛ – تحديد المساطر |
التنسيق | إقامة الانسجام والتكامل بين مختلف العناصر والمكونات التي يشملها تدبير المؤسسة، فهناك مكونات التدبير التربوي والبيداغوجي، ومكونات التدبير الإداري، ومكونات التدبير المادي والمالي، وتدبير علاقات المؤسسة مع الشركاء والمحيط، وهو ما يتطلب تنسيق الجهود وتظافرها لتصب في تحقيق أهداف العملية التربوية | -خلق الانسجام وتوجيه كل الطاقات والأنشطة نحو نفس الأهداف؛ – بالإضافة إلى المساطر، يعتبر التواصل إحدى الوسائل الضرورية لأنشطة التنسيق |
المراقبة | عملية تقويم للموارد المستثمرة والنتائج المحصل عليها، وهي تهدف إلى إدخال التعديلات الضرورية حتى يتم التيقن من أن أهداف المؤسسة والخطط الموضوعة لتحقيقها سيتم احترامها | -التيقن من أن برنامج العمل، نفذ كما يجب؛ -التيقن من أن المساطر والأوامر قد نفذت؛ – بصفة عامة، الحرص على أن تكون الممارسة متطابقة مع القواعد المعمول بها والقرارات المسطر |
أنماط التدبير:
الجدير بالذكر، أنه لا يوجد اتفاق بين الدارسين حول تصنيف أنماط التدبير المختلفة فمنهم من يتحدث عن التدبير الأبوي، والتدبير البيروقراطي، والتدبير التشاركي، والتدبير بالنتائج.
ومنهم من يتكلم عن التدبير السلطوي الاستغلالي، والتدبير السلطوي الأبوي، والتدبير التشاوري، والتدبير التشاركي.
ويوجد تصنيف آخر يقسم أنواع التدبير إلى التدبير التوجيهي، والتدبير اللاتوجيهي،و التدبير التفسيري، و التدبير المفوض و التدبير التشاركي. لكن التوجهات الحديثة في التدبير الأكثر تداولا اليوم, هي التي تتحدث عن التدبير بالمشاريع، والتدبير بالأهداف، والتدبير بالنتائج .
يمكنك أيضا قرائة هذا المقال حول المقاربات التدبيرية